كتب المقال ويليام كريستو، مصورًا ما تبقّى من روح المقاومة في الضفة الغربية، حيث يعيش الفلسطينيون تحت ظلّ خوفٍ متصاعد من أن تتحوّل مدنهم إلى مشهد مشابه لغزة. في مخيم جنين، الذي كان يُعرف يومًا بـ"عاصمة الشهداء"، لم يبقَ سوى الصمت، والجنود الإسرائيليون يجوبون الشوارع بحرية، فيما أُخلي أكثر من 14 ألفًا من سكانه بعد حملة عسكرية بدأت مطلع العام الجاري تحت اسم "الجدار الحديدي".
يُشير تقرير الجارديان إلى أن الجيش الإسرائيلي أحكم السيطرة على جنين، بعد سحق كتائبها المسلحة التي كانت رمزًا للوحدة بين الفصائل الفلسطينية. منازل المخيم تئنّ تحت الركام، وملصقات الشهداء تتلاشى على الجدران تحت شمسٍ لا ترحم. شادي دباية، البالغ من العمر 54 عامًا، يقف اليوم متعبًا أمام عربة عسكرية تمرّ قربه، بعدما كان في الانتفاضة الثانية يواجه الدبابات بحجر ونعال. يقول: "أُصبت برصاص الاحتلال في وجهي ويدي، كنت أظنّ أن المقاومة فكرة عظيمة، لكن انظري إلى غزة… لا أحد بقي هناك".
في نظر الفلسطينيين، لم تَعُد الحرب في غزة مجرد مأساة إنسانية، بل تحذيرًا قاسيًا. فمشاهد الدمار التي أحرقت 88% من القطاع خلال عامين زرعت قناعة بأن إسرائيل مستعدة لتجاوز كل الحدود في سحق المسلحين. ومع اقتراب نهاية الحرب هناك، يتوجس سكان الضفة الغربية من أن يتحوّلوا إلى الهدف التالي.
الخوف خيّم على المدن والقرى، وصوت المقاومة خفت. في السنوات الماضية، كان مجرد طرح مشروع قانون في الكنيست لتطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة كفيلاً بإشعال المظاهرات، لكن الأسبوع الماضي مرّ هذا المشروع بصمت تقريبًا، رغم أنه يعمّق واقع الضم الفعلي. فقط ضغوط أمريكية أوقفت التصويت مؤقتًا، بينما يراقب الفلسطينيون بفتورٍ وتعبٍ ما يجري حولهم.
تتوسّع دائرة الاحتلال ببطء. جرافات إسرائيلية تمزّق الطرق المحيطة بمخيم جنين، والجنود يزورون المنازل بشكل يومي. تقول هيبا جرار، التي تسكن حي جبرية الراقي المطلّ على المخيم: "كنا نسمع إطلاق النار فنظنّ أن المقاومة تردّ، الآن نعرف أن الرصاص كله من جهة واحدة". من نافذتها ترى الثكنات العسكرية التي احتلّت مباني سكنية، بينما فرغت الفيلات المجاورة بعد مداهمات متكررة. تضيف: "الجنود صاروا يقتحمون البيوت بأعداد قليلة، لأنهم لم يعودوا يخشون أحدًا. آخر مرة دخل جندي واحد فقط وفتّش منزلي، كان محترمًا، لكن من يضمن المرة القادمة؟".
تغزو مشاهد الإذلال اليومية وسائل التواصل: عشرات الشبان يُساقون في طوابير، رؤوسهم منحنية وأيديهم خلف ظهورهم. الاعتقالات الإدارية تتزايد بلا تهم ولا محاكمات. مصطفى شتة، مدير "مسرح الحرية" في المخيم، يروي تجربته بعد أن قضى 15 شهرًا في الاعتقال: "صوّرونا عراة، وركلونا، وقفزوا على ظهورنا كما لو كنّا أرضًا للتسلية". خرج في مارس ليجد جنين مكسورة، بلا مقاومين ولا أمل.
يقول بحسرة: "كنت أظن أن جنين لا تُهزم، لكن يبدو أننا خسرنا المعركة. تغيّرت أولويات الناس، لم يعودوا يتحدثون عن الثورة أو حق العودة، بل عن كيفية البقاء في هذه الحياة الجديدة".
انشغال الناس بتدبير لقمة العيش يطغى على أي حراك سياسي. القيود الإسرائيلية تخنق الاقتصاد، والفقر يتسع، والمقاومة المسلحة تتحوّل إلى ذكرى مؤلمة. لكن رغم السكون، لا يخلو المكان من محاولات صامتة للتشبّث بالوجود. يصف شتة ذلك قائلًا: "هم لا يعاملوننا كبشر، كأننا لا شيء. لهذا يجب أن نعيد النقاش عن معنى الصمود، عن كيف نبقى في أرضنا".
في نهاية التقرير، يتساءل الكاتب: بينما تغرق غزة في رمادها، هل تُعِدّ إسرائيل المسرح لتكرار التجربة في الضفة الغربية؟ سكان جنين يخشون أن تكون الإجابة بدأت بالفعل.
https://www.theguardian.com/world/2025/oct/24/west-bank-residents-fear-they-may-be-israels-next-target-after-gaza

